ذات مرة على غير العادة سألني أحد الزملاء هذا السؤال: لماذا لا تتجه رأس الأستراليين إلى الأسفل؟ نود أن نعرف تفسيراً واضحاً ولكن ليس متحذلقاً.

إن الإجابة بسيطة وواضحة جداً. يجب أولاً أن نسأل السؤال الآتي: "ما الذي يحدد اتجاه الأسفل والأعلى؟" يجب أن يفهم التلاميذ أن الأسفل لا يمكن تعريفه "على الإطلاق" في الفراغ. في الواقع، إنه الاتجاه نحو مركز الأرض والأعلى هو الاتجاه المعاكس. وبصورة أكثر تحديداً الأسفل هو اتجاه مجال الجاذبية الأرضية التي يوضحها خيط الرصاص. وبطريقة عملية، يتجه بشكل شبه مباشر نحو مركز الأرض، وذلك مشروط بتمثيل الأرض بالقطب الشمالي نحو أعلى (لا أعرف بالضبط مصدر هذه العادة). كان للخرائط القديمة اتجاهات أكثر تنوعاً (وكذلك أشكال للقارات أكثر خيالية لكن ذلك ليس موضوعنا). في الواقع الكرة الأرضية هي كرة كاملة التكوير تقريباً في نقاط مساحتها كافة، والاتجاه الأسفل نشعر به في اتجاه مركز الأرض أما الأعلى فهو ذلك المتجه نحو الخارج، والمستوى الأفقي هو الذي يتلامس مع الكرة الأرضية، والأستراليون رأسهم لأعلى وأرجلهم لأسفل ببساطة لأنه بالنسبة لهم، يتم تعريف الاتجاه لأعلى في اتجاه الرأس والاتجاه لأسفل في اتجاه الأقدام. وإذا لم يقتنعوا، نمثل لهم بالكرة الأرضية ويجب أن نلاحظ أن فرنسا خطها الطولي هو ٤٥°.
نسألهم لماذا ليس لديهم الانطباع بعدم الميل...

إن مفهوم الأعلى والأسفل يتم تعريفه بواسطة الجاذبية الأرضية. إننا ننجذب نحو الأرض وإذا حاولنا الابتعاد (بالقفز مثلاً)، نقع مرة أخرى عليها. بواسطة الأذن الداخلية، موضع اتزان جسم الإنسان يتكون لدينا مفهوم واضح تماماً للأعلى والأسفل بالارتباط مع الجاذبية الأرضية. إذا فأسفل هو الاتجاه نحو مركز الأرض – وذلك صحيح بالنسبة لجميع أنحاء العالم – بما في ذلك الاستراليون. لكن المشكلة هي أننا ننسى أننا لا نعيش على سطح مستوي (الأرض مستوية كما كان المفهوم سائداً عند القدامى) وأنه لا يوجد اتجاه واحد لأعلى واتجاه واحد لأسفل. وبما أن الاستراليين – مثلنا – ليسوا منجذبين نحو مركز الأرض إذاً فلديهم المفهوم المحلي للاتجاه إلى أعلى والاتجاه إلى أسفل في الاتجاه الصحيح، أي أنهم يشعرون بالجاذبية الأرضية تحت أقدامهم ويرون أن السماء في أعلى. وعلاوة على ذلك، فإن القول بأن الأستراليون رأسهم إلى أسفل هو القول بأنه يمكننا تعريف خاصية مطلقة يمكن عن طريقها تعريف الأسفل والأعلى بالانفصال عن الشخص الذي يلاحظها، وذلك ليس ممكناً هنا. ومن ناحية أخرى، بالنسبة للاستراليين إننا نحن الذين ننقلب رأساً على عقب والاستراليون يسألون نفس السؤال: لماذا لا يقع الأوروبيون؟ بلى، إن الجميع يقع لكن نحو مركز الأرض.

أريد الإجابة على ذلك بأن الاستراليين سوف يرغبون في معرفة كيف يعيش الفرنسيون وهم مقلوبين رأساً على عقب.. حسناً، إذا كان يجب أن نكون جادين، أفترض أنه ليس كافياً للتفسير بأن الجاذبية تجذب كل شئ نحو مركز الأرض، وأنه نتيجة لذلك فإن "الأسفل" يتجه دائماً نحو مركز الأرض مهما كان مكانه. إن تمثيل الكرة الأرضية، شمالها نحو أعلى (أي فارق حوالي ٢٣.٥ْ°) بحكم العادة ليس إلا اتفاقاً وفي الفراغ ليس هناك أسفل أو أعلى. إني اقترح الخطوات التي وصفتها ميراى هارتمان في "الفلك لعبة أطفال" (دار نشر لوبوميية، صـ ٦٩ إلى ٧٧) نحن بصدد أطفال مدارس الحضانة. والخطوة الأولى هي أن نطلب منهم "ارسم نفسك على كوكبك“. وكل واحد يجب أن يفعل ذلك دون أن يرى الآخرون رسمه. في مرحلة رياض الأطفال نرى تنوع الرسوم ابتدءا من الأشخاص المرسومة بطريقة "رأسية" أعلى الكرة الأرضية وحتى التمثيل الصحيح حيث أشخاص النصف الجنوبي مع تمثيل الرأس لأسفل. والخطوة التالية: العمل على مفهوم الوزن. لماذا ننزل إلى الأرض مرة أخرى عندما نقفز في الهواء؟ ما هو حجمنا على الكوكب الآخر؟ كوكب أصغر؟ كوكب أكبر؟ الهدف هو أن يفهم الأطفال أن الوزن هو الانجذاب نحو الكوكب. ثم يتم تمثيل هذه الظاهرة: ثقل من الحديد، أشخاص نثبت المغناطيس في أقدامهم. حتى إذا كان "الرأس لأسفل“، عندما نقتلعهم بخفة من الدعامة، يعودون (يهبطون).
إذا يجب أن نفسر بصفة مطلقة أن قوة الجاذبية والحيوية لا تعنى نفس الشئ: نحن لسنا بصدد التمثيل بالرسم. وفي النهاية "ارسم نفسك على كوكبك" مبدئياً، فإن المبدأ محصور، فإننا نرى الأشخاص الموجودين شكل رأسي أي عمودي على التربة.. يمكننا أيضاً أن نطلب منهم رسم السحاب والمطر الذي يسقط. ربما تكون النتائج مفيدة.. حظ سعيد.

للإجابة عن هذا السؤال يجب أولاً أن نتساءل ماذا يعنى "أسفل“. وكيف نوضح هذه المسألة لشخص يجهل الكثير من المعلومات عن الأرض؟ إن الطريقة الأسهل هي التي تطبق من خلال التجربة البسيطة: نأخذ أداة معينة في أيدينا، حجر مثلاً ونتركه. ويسمى الاتجاه الذي نتجه إليه تلقائياً "أسفل" والاتجاه المعاكس "أعلى“. على أي كوكب، الأسفل هو المتجه للتربة وبالتحديد نحو مركز الكوكب. وفي الفراغ، في حالة عدم وجود الجاذبية، لا تتحرك الأداة ولا يمكن تعريف الاتجاه الأسفل أو الأعلى. ونفس الشئ في المصعد الذي يهبط بحرية... إن الأسفل بالنسبة للاستراليين لا يبدو هو نفس اتجاه الفرنسيين بالنسبة للذين ينظرون إلى كوكب الأرض من الخارج؛ مما يخلق التناقض في هذه المسألة. لكن من وجهة نظر أخرى فإن الاتجاه لأسفل هو في نفس الاتجاه: نحو مركز الأرض التي ترتكز عليها، نحو التربة! وأخيراً فإن الاستراليون ليسوا مقلوبين رأساً على عقب لأن المسافة التي تدور فيها الأرض، فليس هناك أسفل أو أعلى. يمكننا القول بأنه على الأرض يرى الاستراليون والفرنسيون الأحجار تقع نحو مركز الأرض حيث أن لديهم نفس الاتجاه الأسفل.